(1)
هل هناك حاجة للحرب؟
كم نحتاج لإثارة اهتمامنا بالتهديدات العراقية لأمننا وأمن العالم؟ هل هناك دليل قاطع على مثل هذا التهديد؟ وإن كان هناك دليل، فما هو؟ لِمَ أثيرت قضية التهديد العراقي الآن؟ وكم هي ملحة وفورية تلك القضية؟
ينبغي أن نبادر بسؤال حول ما إذا كان هناك دليل على وجود سياسة عراقية تستهدف الأمريكيين والولايات المتحدة، أو تشكل تهديداً خطيراً لأي من جيراننا. الواقع أن النظام العراقي بقيادة صدام حسين لم يستهدف أبداً الولايات المتحدة أو أي قوة غربية.
على أي حال، كان العراق يشكل تهديداً لجيرانه، فقد هاجم صدام حسين الأكراد المقيمين في العراق، ثم غزوه لإيران والكويت، وقصفه لإسرائيل، وقمعه للشعب الكردي بقسوة في ثمانينيات القرن العشرين يشهد على وجود نظام يرغب باستمرار في انتهاك حقوق الإنسان وسياسة الدولة.
ولكي نقيّم المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها بلدان أخرى من العراق، علينا التدقيق في الظروف التي حصلت فيها تلك الهجمات، يتركز اليوم كثير من الجدل على استخدام العراق لأسلحة الدمار الشامل ((وهي عبارة تعني اشتمال هذه الأسلحة على الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية))، لم تُدِن أمريكة ولا بريطانية استخدام النظام العراقي للأسلحة الكيماوية في حملته ضد الأكراد عام 1988.
بل قامت الدولتان بتقديم مزيد من المساعدات المالية إلى العراق في تلك المرحلة لتعزيز جهود العراق ضد إيران.
لم يستخدم العراق أسلحة كيماوية خارج حدوده إلا في حربه ضد إيران في عام 1981 لغاية عام 1988، وقد جرى استخدام الأسلحة الكيماوية في تلك الحرب بمشاركة الولايات المتحدة وبريطانية كليهما، وقد أكدت الولايات المتحدة استخدام مثل هذه الأسلحة عام 1983 - وكذلك الأمم المتحدة عام 1984 - ومع ذلك استمرت الولايات المتحدة بتزويد العراق بطائرات الهيليكوبتر التي يمكن استخدامها في الهجمات الكيماوية، وبتزويدها بمعلومات استخباراتية، وبعناصر بشرية فنية من القوى الجوية الأمريكية، وحالت دون إدانة الهجمات الكيماوية العراقية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وباختصار ما كان للعراق أن يستخدم أسلحة كيماوية ضد عدو خارجي من دون موافقة الولايات المتحدة ومباركتها، ولا يختلف الأمر في استخدامه لمثل هذه الأسلحة ضمن حدوده.
إن التهديد الحالي المفترض للغرب، المتمثل بخطط العراق لتزويد المنظمات الإرهابية بأسلحة الدمار الشامل، وهو ادعاء أثارته إدارة بوش في مطلع عام 2002 - لا أساس له من الصحة إطلاقاً. فالمجموعتان الوحيدتان من الميليشيات العسكرية اللتان يدعمهما العراق حالياً هما مجاهدو خلق وجبهة التحرير العربية، وهاتان المجموعتان لم تحصلا أبداً على أسلحة متطورة غير تقليدية من الحكومة، ولم تقوما بأية هجمات في الولايات المتحدة أو في أوربة.
وبالمثل، ليس هناك أي دليل على وجود علاقة بين نظام صدام حسين وشبكة القاعدة الإرهابية، فحزب صدام حسين، وهو حزب البعث، حزب ذو توجّه علماني مناهض بقوة للتطرف الديني وللتيارات الأصولية التي انبثق منها أتباع أسامة بن لادن. ومن ناحية أخرى تقر القاعدة وتعترف علناً بأن من مهماتها الإطاحة بالحكومات العلمانية والاستعاضة عنها بأنظمة إسلامية. فالتهديد الذي يواجهه نظام صدام حسين وحكمه من قبل جماعات مثل القاعدة يجعل أي تعاون بين القاعدة ونظام صدام حسين لمناهضة الولايات المتحدة أمراً أقرب إلى المستحيل.
وببساطة، لا يوجد أي دليل على أي علاقة سياسية بين العراق والقاعدة، رغم الجهود المتواصلة والحثيثة التي تبذلها الولايات المتحدة وسواها لإيجاد أي دليل، ولم يقدم الملف الذي كشفت الحكومة البريطانية النقاب عنه في 24 سبتمبر (أيلول) 2002 أي دليل على وجود أي رابطة بين العراق والقاعدة. كما أن الوعود التي أطلقها مسؤولون أمريكيون بمن فيهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ومستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس، وسواهما بأنهم سوف يقدمون أدلة ناصعة على وجود مثل هذه الرابطة قد ذهبت هباء دون تنفيذ. ولم تستطع أي وكالة مخابرات أمريكية بما فيها DIA, CIA إقامة مثل هذه العلاقة. وفي أعقاب 9/11 اتهمت الولايات المتحدة دبلوماسياً عراقياً بأنه التقى أحد العناصر العاملة في القاعدة في جمهورية التشيك، بيد أن هذه التهمة كانت مزيفة وكاذبة كما أعلن الرئيس التشيكي فاكلاف هافيل مؤخراً، وأنشأ رامسفيلد مجموعة استخبارات خاصة به للبحث عن مثل هذه الروابط.
من الصعب تخيُّل الظروف التي يمكن للعراق أن تستخدم فيها أسلحة كيماوية أو بيولوجية أو نووية ضد أي بلد غربي مع افتراض مواجهة رد انتقامي جماعي.
إن السيناريو المفهوم الوحيد أمام صدام حسين هو إحساسه بأنه لم يبق لبلاده ما تخسره بسبب مواجهتها لمصير التدمير الوشيك، وفي ظل مثل هذه الظروف خير للولايات المتحدة أن تتجنب سيناريو اليوم الآخر (يوم القيامة) بفضل سلوك سبل أخرى غير السبل العسكرية لمخاطبة الهموم السياسية.
إضافة تعليق