الأسرة القارئة
الطفل والقراءة
في هذه الدراسة أواصل ذلك الموضوع الأثير إلى نفسي، وأعني به (الطفل والقراءة).. وقد سبقتها على الطريق أوراق وبحوث ودراسات، ضمنتها كتاباً كاملاً، ويهمني في البداية أن أشير إلى: نحو حملة قومية ووطنية لغرس عادة القراءة عند الأطفال، ومن أجل أن تؤتي شجرة القراءة ثمارها، وتتضمن الكثير من سبل تحبيب الأطفال في القراءة.. اعتمدت هنا على عدد من الكتب التي تعمقت في موضوع تنمية قراءات الأطفال ليصبحوا قراء محبين مغرمين عاشقين للكتاب على مدى العمر، ولتصبح القراءة بالنسبة إليهم كالغذاء والماء والهواء.. والسبيل إلى ذلك واضح: أن نبدأ مبكرين معهم، على أن نكون قدوة لهم، وهذا لا يكفي، إذ لا بد من جهد يبذل، وهو مهما كان ثقيلاً ومرهقاً إلا أنه يستحق أن نقوم به، لأن ثماره أكثر من رائعة، والكتاب رافد يثري قارئه على مدى العمر، وهو سيد أدوات المعرفة، وهو يضاعف من حياته ليجعلها أكثر من حياة، يعيشها مع السطور المطبوعة التي تنفذ إلى العقل والوجدان معاً.. وبودي أن أشير إلى أن قراءة هذه الورقة، وحدها، لا يكفي، ولا بد من الرجوع إلى الأوراق السابقة التي تعد جزءاً لا يتجزأ من سلسلة تستهدف وضع أقدام أبنائنا على طريق القراءة ليمضوا فيه قدماً..
تعلم الطفل للقراءة كتعلمه الجلوس والمشي
يبدأ الطفل حياته، فرداً، مستلقياً في فراشه، أو بين أحضان أمه.. ونبدأ في تدريبه على أن يجلس، بأيدينا وبالوسائد، إلى أن يعتمد على نفسه في ذلك.. ثم يحاول أن يقف على قدميه، مستنداً إلى شيء ما، إلى أن يتمكن من الوقوف وحده.. ويبدأ بعد هذا في محاولة السير معتمداً على ما حوله إلى أن يستطيع ذلك بعد أن يتعثر بعض الوقت.. ثم يتعلم كيف ينطلق ويجري، وبأقصى سرعة... وهناك دائماً دوافع للرضيع على الجلوس ثم الوقوف فالمشي ثم الجري.. وهذه هي الخطوات نفسها التي يجب أن نلتمسها، ونتبعها مع القراءة إلى أن يصبح حافزه إليها ودافعه نحوها قدرته الخاصة، ورغبته الجادة، على أن تنبعث من داخله..
والسؤال الذي يطرح باستمرار:
- كيف نجعل ذلك طبيعياً، تلقائياً؟ وكيف نحببه - وسط الأسرة - بالقراءة، كشيء ممتع، محبب، يصل إلى حد الغرام المستمر، بل والعشق الصوفي؟
والعبارة التي تصدرت حديثنا هذا منحوتة على جدار مصري فرعوني تؤكد على أنّ الإنسان منذ فجر التاريخ قد سعى إلى هذا الهدف الجليل وبحث عن سبل تحقيقه، وعمل من أجله.. والطفل قد يترك ليعيش في غياهب الأمية، وقد يتعلم القراءة، ولكنه لا يحسنها، وربما يكون قد تعلمها بقدر كاف، لكنه لا يقبل عليها ويبدي بوضوح عزوفه عنها وعدم الميل إليها.. وفي هذه الحالة ما من أحد قادر على أن يحببه فيها ويربطه بها قدر الأسرة، والأبوين بالتحديد.. وهو إذا ما أصبح طفلاً قارئاً نشعر بالاطمئنان نحو تعليمه ودراسته، لأن القراءة مفتاح النجاح إلى كل المواد التي يتلقاها في مدرسته أياً كانت، وكثيرون يفشلون في الرياضيات لسبب بسيط وهو أنهم لا يفهمون مسائلها، ويحدث الشيء نفسه بالنسبة إلى العلوم والتكنولوجيا، فضلاً عن العلوم الاجتماعية والآداب، والفنون وما إلى ذلك..
القراءة مدخل للتعليم وأوسع أبوابه، وسوف تثير لديهم كمّاً كبيراً من الفضول كلما أقبلوا عليها، وسوف تفتح شهيتهم إليها كما يحدث مع رائحة الطعام، وكلما زاد حب الاستطلاع لديهم زادت قراءاتهم، وتحسنت وراحوا يتعرفون على عالمهم بصورة أفضل، وتُثْرى حياتهم بشكل أكبر، واكتسبوا من المهارات ما يعينهم على صياغة مستقبلهم.
وكما تنمو العضلات بالتدريب والرياضة ينمو بالعقل وقواه بفضل القصف الذهني الذي تحدثه القراءة المتوالية في شتى الموضوعات، لكي يصبح قارئاً على مدى العمر كله، ويصبح الكتاب مصدراً للمعرفة ورفيقاً مستمراً فيه متعة وسلوى، لأن الكتب تقوم بتكثيف الأفكار وبلورة الآراء وإثارة المشاعر والأحاسيس بما يعد إضاءة حقيقية لحياتنا وأيامنا على هذه الأرض، بجانب تراكمها طبقات فوق طبقات بصورة تصبح معها منجماً أو كنزاً يمكن لصاحبه أن يسحب منه ما يشاء ساعة يشاء.. ويقول الدوس هكسلي: ((إن من يعرف كيف يقرأ تصبح لديه القدرة على تحقيق ذاته، والرقي بنفسه ومضاعفة أساليب حياته، وإدراك أسباب وجوده بجانب أن ذلك يجعل أيامه مليئة وثرية وشائقة وهامة وجديرة بأن تعاش)).
إضافة تعليق