من كتاب البناء الاقتصادي للقرآن الكريم
التفسير الاقتصادي للقرآن الكريم هو أحد أقسام التفسير العلمي له، حيث يَدرس هذا التفسير المبادئ والأصول الاقتصادية العامة المستمدّة من القرآن الكريم، والتطبيقات المستندة على هذه الأصول والمبادئ؛ والتي تفسرها وتفصلها السُّنة المشرَّفة؛ وذلك بهدف حكم وتنظيم الحياة الاقتصادية في المجتمع الإسلامي..
وعلم الاقتصاد عموماً هو علم اجتماعي حديث؛ يبين القوانين والأحكام التي تتدخل تدخلاً مباشراً وعملياً، في حلِّ المشكلات الاقتصادية.
وعندما برز الاقتصاد الإسلامي المستمدّ من الكتاب والسُّنة إلى الوجود بأحكامه المعجزة، أقرَّ كثير من علماء الغرب بإعجازه، وأنه المنقذ المؤكد للعالم من الأزمات الاقتصادية، والمخلِّص للبشرية من البؤس والشقاء المستمدّ من تطبيق الأنظمة الوضعية.
وهذا ما دفع (ليون روشي) الباحث الفرنسي؛ الذي أسلم عندما اطّلع على الدين الإسلامي المعجز، إلى أن يقول بأنه: «أفضل دين عَرَفتُه، فهو دين فطري، اقتصادي، أدبي، ولقد وجدت فيه حلّ المسألتين (الاجتماعية والاقتصادية)؛ اللتين تشغلان بال العالم اليوم»[1]. وهذا الدين المعجز إنما مصدره القرآن الكريم، والسُّنة المشرَّفة، التي تبيِّنه وتفصِّله، وبتفسير هذين المصدرين وتحليلهما يتم التعرّف على مجمل هذا الدين.
والتفسير العلمي هو أحد وجوه التفسير، وتفسير العلماء يختلف باختلاف علومهم، فمن كان عالماً بالنحو، كان تفسيره معنياً بالنحو؛ كالتفاسير المعنية بإعراب القرآن، ومثالها تفسير أبي جعفر النحاس، رحمه الله[2]، ومن كان عالماً بالفقه وأحكامه كان تفسيره معنياً على الغالب بذلك؛ كتفسير أحكام القرآن للجصاص، رحمه الله[3].
وفي أيامنا المعاصرة ظهر اهتمام العلماء بالتفسير المبني على إظهار الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، في العلوم الطبيعية والطب وعلم الفلك وغير ذلك من العلوم المعاصرة.
والإعجاز العلمي، الثابت بالأدلة القطعية في القرآن الكريم، من أبرز الأدلة في أيامنا المعاصرة على أن القرآن تنـزيل من ربِّ العالمين، وعلى أن رسالة القرآن العلمي خالدة، إلى جميع البشر في كل زمان، فالعلوم المعاصرة التي أثبت الإعجاز العلمي الإشارة إليها في القرآن الكريم، بأدلة علمية قاطعة، هي من أهم ما يفحم أعداء الإسلام في عصر العلم، ويقطع عليهم الكلام إلى معارضته ومناهضته[4].
وفي هذا التفسير سنحاول بيان التفسير الاقتصادي لآيات القرآن الكريم، من خلال بيان المدلولات الاقتصادية التي تشير إليها سور القرآن الكريم.
والدافع لذلك، أن القرآن عند تدبُّره، يتبيّن أنه كتاب تنمية شاملة، تتضمن التنمية البشرية الإيمانية، والتنمية الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والخلقية...، وهذا لا يتناقض مع القول بأن القرآن كتاب هداية، بل هو مؤكّد له على اعتبار أن هدايته الشاملة لا شك سوف تشمل الهداية لكل خير دنيوي وأُخروي.
[1]() أحمد جمال: الاقتصاد الإسلامي، مطابع الثقافة، مكة المكرمة، ط/1981م، ص36.
الأستاذ خالد عبد الرحمن أحمد: التفكير الاقتصادي في الإسلامي، دار الدعوة الإسلامية ــ بيروت، ط/1976، ص72.
د. غازي عناية: الأصول العامة للاقتصاد الإسلامي، دار الجيل ــ بيروت، ط1/1991، ص 35.
د. أحمد عبد العزيز النجار: النظرية الاقتصادية في المنهج الإسلامي، طبع ونشر الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية ــ القاهرة، ط2/1980، ص 50 وما بعدها.
[2]() أبو جعفر النحاس، رحمه الله: هو أحمد بن محمد المرادي المصري، مفسِّر أديب، مولده ووفاته في مصر، من مؤلفاته: (معاني القرآن) و (إعراب القرآن). ت/338هـ (الأعلام للزركلي: 1/208).
[3]() الجصاص، رحمه الله: هو أبو بكر أحمد بن علي الرازي، فاضل من أهل الري، سكن بغداد ومات فيها، انتهت إليه رئاسة الحنفية، عرض عليه القضاء فامتنع، من مؤلفاته: (أحكام القرآن) و (أصول الفقه). ت/370هـ (الأعلام للزركلي: 1/171).
[4]() محمد الصادق عرجون: القرآن الكريم هدايته وإعجازه في أقوال المفسرين، مكتبة الكليات الأزهرية ــ القاهرة، د.ت، ص 133 وما بعدها.
إضافة تعليق