كلمة الناشر
لم يتوحد العالم في هواجسه وهمومه، كما يتوحد اليوم تحت ضغط الإرهاب..
ولم تتكسر الحواجز بين الحضارات، أو تتهدم الحصون التي تتقوقع وراءها الثقافات، لتقف وجهاً لوجه عارية من كل أسمالها، كما تقف اليوم في محاولة للفهم، والتفهم تمهيداً للتفاهم، بعد صدمة الإرهاب..
ولم تتردد مفردة الإرهاب على ألسنة الناس، على اختلاف أجناسهم ولغاتهم، كما تتردد اليوم، تحت وطأة الإرهاب..
ذلك ما دفع البعض للتساؤل:
أكان الإرهاب، تُرى، نقمة أم نعمة؟!
وهل كان الإنسان بحاجة إلى إزهاق كل هذه الأرواح، وسفك كل هذه الدماء، ليكسر قواقعه ويخلع أقنعته؟!
وهل كانت الحقيقة بحاجة إلى كل هذه المطارق لتفك شرنقتها وتسفر عن وجهها؟!
ولعل السؤال الأهم كان: هل وعت البشرية الدرس وأفادت من قسوته؟!
هل تحركت للحفر حول الإرهاب بحثاً عن جذوره لاجتثاثها، ودوافعه ومحركاته للقضاء عليها؛ مُغلبة جانب العلم والعقل والمعرفة التي ميز الله تعالى بها الإنسان، أم بادلته إرهاباً بإرهاب أعنف، لمواجهته بردة الفعل الغريزية التي يشترك فيها الإنسان مع سائر الكائنات الحية؟!
كل الشرائع السماوية، وحكمة الفلاسفة، وعبر التاريخ؛ تؤكد أن الظلم هو مبعث الإرهاب وأصل الفساد في الأرض، ومما هو مستقر في ثقافتنا أن إيمان مجتمع، مهما تشبث به، لن ينفعه ولن ينجيه من الدمار والانهيار إذا مَرَد على ممارسة الظلم..
وأي ظلم أفدح من مساعدة معتدٍ على اقتلاع شعب آمن من أرضه، وتدمير منازله، واجتثاث أشجاره، ونهب خيراته، وانتهاك حرماته، وتدنيس مقدساته، وقتل نسائه وأطفاله، واغتيال رجالاته، وإذلال زعمائه، وحصاره وتجويعه وتهجيره وتمزيقه، لإحلال شعب دخيل غريب محله؟!
وأي زيفٍ وتخليط وافتئات وظلم واغتيال للحقائق أكبر من التصفيق للمعتدي، وتزويده بكل أدوات التدمير والتخريب والقتل، وتشجيعه على الإمعان في عدوانه بوصفه دفاعاً عن النفس، وإنكارِ حق المعتدى عليه بالدفاع عن نفسه، ولو بالصراخ والعويل، وحجرٍ من بقايا بيته المهدَّم يرمي به هادمه، وروح لم يُبق له المعتدي على غيرها، يجود بها مقتاداً قاتله أمامه إلى محكمة الله التي لا تختل فيها الموازين؟!
هل بعد هذا الإرهاب من إرهاب؟!
وهل أميركا بمظاهرتها للظلم تكافح الإرهاب أم هي تصنعه؟!
{ولا يجـرمنكـم شـنآن قومٍ على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 5/8].
ولن تكون العاقبة لغير المتقين العادلين.
* * *
إضافة تعليق