الإنسانُ والحيوان !!
حانَتْ ساعةُ لقاءِ الحاجّ عبدِ اللهِ بالأولادِ في ملتقاهُم الخاصّ، وكانَ الأولادُ يلاحقونَ أرنَباً صغيراً يقفزُ بين شُجَيْرات الحديقَةِ.
تجمّع الأولادُ حول صَديقِهم الجديد، فبدأَ بطرحِ أسئلتِه عليهم: «هل تستطيعونَ أن تحزِروا بِمَ يختلفُ البشرُ عن الحيواناتِ؟ أليسَ الفيلُ أكبرَ بكثيرٍ من الإنسانِ؟ والجملُ الّذي يمكنُ أن يحملَ الأحمالَ الثقيلةَ لمسافاتٍ طويلةٍ، أليس أقوى بكثيرٍ منكم؟ أليس الأسدُ المفترِسُ أكثرَ شجاعةً منكم؟!
فإذا كانت هذه الحقائقُ كلُّها صحيحةً، كيف يمكنُ أن يكونَ البشرُ أفضلَ من الحيوانات؟»
خَيَّمَ الصَّمتُ على الأولاد.
«هل تعلمونَ أنَّنا نحنُ البشرَ فقط؛ نمتلكُ قلباً روحياً بين كلِّ مخلوقاتِ اللهِ c؟! وأننا نحنُ فقط القادرونَ على القيامِ بأعمالٍ تقرِّبُنا إلى الله c، وتجعلُنا نحظى بحبِّه لنا ورضاه عنا؟ والمهِمُّ لنا أولاً هو ما نعرِفُه، مهما كانَ حجمُنا أو قوتُنا، وثانياً أن نعمَلَ على تغذيَةِ قلوبِنا الرّوحانيَّةِ، تماماً كما نعملُ على تغذِيةِ أجسامِنا. فكِّروا بالغذاءِ الّذي تحتاجُه أجسامُكم ... ثمَّ فكِّروا ما الذي يُغَذِّي قلوبَكم..!!»
كانتْ ليْلى تُنصِتُ باهتمامٍ إلى كلامِه، فسارعَتْ بالإجابة:
«أنا أتناولُ الكثيرَ من الفواكِه والخُضارِ لأحافظَ على صحَّةِ جِسمي».
ردَّ عليها الحاجُّ عبد الله: «لكنَّ الحيوانَ يستطيعُ أن يفعلَ ذلكَ أيضاً، فما الَّذي يجعلُكِ أفضلَ منه؟!»
قالتْ ليلى: «أنا أستطيعُ أن أطهُوَ الفاكهةَ وأصنعَ منها فَطيرةً، وهذا ما لا يستطيعُ أيُّ حيوانٍ أنْ يقوم به».
فقال الشَّيخ: «صحيحٌ ما تقولين، لكنْ خُذي الأمرَ على محمَلِ الجدِّ وأخبريني عن قلبِكِ: ما الّذي تعلَّمتِهِ مؤخَّراً من أجل قلبِكِ الرُّوحيّ؟!»
فأجابت ليلى: «أمَّا من أجلِ قلبي؛ فإنِّي أُصغي باهتمامٍ إلى أُسرتي ومعلِّمتي، فهم يُوضِحون لي كيْف أكونُ غايةً في اللُّطفِ، ويعلِّمونَني أشياءَ كثيرةً يريدُها اللهُ c منا جميعاً».
عندئذٍ سألَها الصَّديقُ الحكيمُ: «وما تلك؟!»
لكن ليلى لم تنْبِس ببِنتِ شَفَةٍ، بل انتظرت صديقَهم ومعلِّمَهم الجديدَ ليجيبَ عن سؤالِه الَّذي طرحه هو.. إلَّا أنَّه بدلاً من ذلكَ، نهضَ وهو يراقبُ قاسِماً الَّذي بدا شاحِباً وخائفاً وهو يركضُ نحوَه.
إضافة تعليق