المقدمة
يُعد الإنسان من أكثر الأحياء تأثيراً في البيئة، لذلك فإن إعداده وتربيته بيئياً أمر غاية في الأهمية. وإذا كانت القوانين التي تحكم العلاقات بين مكونات البيئة غير قابلة للتغيير، فإن سلوك الإنسان يمكن تعديله بالتربية والتعليم. إن فهم العلاقات والقوانين الناظمة للبيئة تمكننا إلى حد بعيد من التعامل مع البيئة ومشكلاتها بصورة أفضل وبذلك يمكن تحاشي الكثير من المشكلات البيئية قبل وقوعها.
ويُسئ الكثير من الناس إلى البيئة من نواح عديدة قصد أو غير قصد، لذلك من الأهمية بمكان إيجاد رادع ذاتي ينبع من داخل الإنسان، وتنمية هذا الرادع الداخلي وهذه القناعة الذاتية بحماية البيئة، ويتم من خلال تربية بيئية تبدأ منذ الصفر. فالتربية البيئية السليمة تمكن الإنسان من اكتساب المهارات والقيم والمعارف التي تساعده على التعامل مع البيئة بشكل عقلاني.
يتألف هذا الكتاب من عشرة فصول، تم التعريف في الفصل الأول بمفهوم البيئة والنظام البيئي، والتوازن البيئي، والغلاف الحيوي، والدورات الطبيعية لأهم مكونات البيئة، وتطور العلاقة بين الإنسان والبيئة منذ ظهوره على سطح الأرض حتى وقتنا الحالي. وفي الفصل الثاني تم عرض لتطور التربية البيئية ومفاهيمها منذ نشأتها حتى الآن، وتم التطرق كذلك لفلسفة التربية البيئية، وأهدافها وخصائصها، وأهمية دراستها وضروراتها ومشكلاتها.
وتناول الفصل الثالث تعليم التربية البيئية وأساليب تحقيقها في مراحل التعليم في المواد الدراسية المختلفة، ودور وسائل الإعلام في تنمية الوعي البيئي وطرح المشكلات البيئية والمساعدة في حلها. في حين تناول الفصل الرابع التربية البيئية في التعليم التقني والمهني ودمجها في التعليم الصناعي. وعُرض في الفصل الخامس نماذج عديدة لبرامج التربية البيئية في العالم والوطن العربي. وفي الفصل السادس تم التعريف بالنشاط الدولي والإقليمي والمحلي في مجال التربية البيئية وما عُقد من مؤتمرات وندوات عالمية وعربية. بينما تناول الفصل السابع التربية الغذائية وأهميتها في مراحل التعليم العام. وفي الفصل الثامن تم التعريف بأهمية الإسلام ودور الدين في عملية حماية البيئة وحسن استثمارهان وحض البشر على تطبيق تعاليم الدين إلى أنماط سلوكية سليمة، وتم تدعيم ذلك من خلال ما جاء في القرآن الكريم إلى أنماط سلوكية سليمة، وتم تدعيم ذلك من خلال ما جاء في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وتعاليم الدين الإسلامي. وفي الفصل التاسع تم عرض وتحليل لبعض المشكلات العالمية المختارة، ومن هذه المشكلات مشكلة الإيدز والمخدرات ودور التربية في الوقاية منهما، وظاهرة الإحتباس الحراري، والأمطار الحمضية، والضبخان، وتآكل طبقة الأوزون. أما الفصل العاشر والأخير ففيه عرض لأهم المشكلات البيئية وطرق معالجتها، تلك المشكلات التي أصبحت تهدد الحياة على الأرض، ومن هذه المشكلات مشكلة الانفجار السكاني التي باتت تهدد عملية التنمية في البلدان الفقيرة، وتضيف أعداداً هائلة من السكان إلى قائمة الفقراء والعاطلين عن العمل وتؤدي إلى زيادة الضغط على المؤسسات الخدمية وتزيد في صعوبة تأمين السكن والمرافق الأخرى، ومشكلة عالمنا المعاصر. ومشكلة التصحر التي تهدد حياة الملايين من شعوب العالم، ومشكلات التلوث البيئي الذي بلغ حداً لا يمكن السكوت عليه لأنه بات يهدد التوازن البيئي ويؤثر في الإنسان ويسبب له الأمراض والإزعاج والوفاة بشكل مباشر أو غير مباشر. وفي الفصل تم التعريف بتلوث الهواء، والماء (مياه البحار والمحيطات والبحيرات والأنهار والمياه الجوفية)، وتلوث التربة، والتلوث الإشعاعي، والتلوث بالضوضاء والتلوث البصري والأخلاقي والفكري، وأخيراً تم التعريف بمشكلة الطاقة بنوعيها المتجددة وغير المتجددة، وطرق تحسين فعاليتها.
د. صالح محمود وهبي د. ابتسام درويش العجي
***
الفصل الأول
البيئة والنظام البيئي
أولاً - مفهوم البيئة والنظام البيئي:
البيئة حيز مكاني له صفاته الطبيعية والحياتية المميزة والذي يضم كل العناصر الأساسية في حياة الكائنات الحية كالمناخ بعناصره المختلفة والطاقة والضوء والتربة... إلخ. فالبيئة تتكون من كل العوامل الخارجية المؤثرة في المجتمعات الحية بكل أنواعها وفصائلها، ويظهر نوعان من العوامل البيئية التي تؤثر فيها كالتالي:
1- العوامل الفيزيائية غير الحية: وتضم كل العوامل غير الحية التي تؤثر في توافر وتوزع عالم النبات والحيوان في الطبيعية كالمناخ وطول النهار وحموضة التربة ومدى تركز الأملاح المعدينة في التربة.
2- العوامل الحية: وتضم النباتات والحيوانات التي تؤثر في توزع وتوافر النباتات التي تشكل الوسط الحيوي لتلك الحيوانات والنباتات والتي من الممكن أن تكون غذاء أو مأوى.. إلخ.
وتميز الدراسات الجغرافية بين نموذجين من البيئتات تترابطان مع بعضهما وهما البيئة الطبيعية والبيئة البشرية كالتالي:
- البيئة الطبيعية، وتشمل العوامل الطبيعية كالمناخ والتضاريس والتربة، كما تطلق أيضاً على الأماكن من سطح الأرض التي لا يتواجد فيها الإنسان كالجبال العالية والقارة القطبية الجنوبية وبعض المناطق الصحراوية.
- البيئة البشرية، وتدل على المناطق التي تفاعل معها الإنسان وأثر فيها بشكل واضح كالمراكز العمرانية البشرية والسدود وطرق المواصلات وغيرها.
ثانياً- النظام البيئي:
النظام البيئي هو ((كيان متكامل ومتوازن، يتألف من كائنات حية ومكونات غير حية وطاقة شمسية ومن التفاعلات المتبادلة فيه)). ومن أمثلة النظم البيئية الغابة والنهر والبحر والبحيرة.
خصائص النظام البيئي:
1- مكونات النظام البيئي:
يتكون كل نظام بيئي مما يلي:
- كائنات غير حية: وهي المواد الأساسية غير العضوية والعضوية في البيئة.
- كائنات حية: وتنقسم إلى قسمين رئيسيين:
أ - كائنات حية ذاتية التغذية:
وهي التي تستطيع صنع غذائها بنفسها من مواد غير عضوية عن طريق عملية التمثيل الضوئي كالنباتات الخضراء.
ب - كائنات حية غير ذاتية التغذية:
وهي الكائنات الحية التي لا تستطيع صنع غذائها بنفسها وتشمل الكائنات المستهلكة والكائنات المحللة، فالحيوانات آكلة العشب تسمى المستهلك الأول لأنها تعتمد مباشرة على النبات. والحيوانات التي تتغذى على الحيوانات آكلة العشب تسمى المستهلك الثاني... إلخ. أما الكائنات المحللة فهي تعتمد في تغذيتها على تفكك الكائنات النباتية والحيوانية وذلك عن طريق تحويلها إلى مركبات بسيطة تستفيد منها النباتات ومن أمثلتها الفطريات والبكتريا.
وتنشأ بين الكائنات الحية علاقات عديدة منها:
- المعايشة: وهي أن يعيش كائن حي مع كائن حي آخر مضيف بحيث يعود النفع على المتعايش، دون أن يتضرر المضيف مثال ذلك الكائنات البحرية الدقيقة التي تأوي إلى ثقوب الإسفنج لتحتمي فيه وتحصل على الغذاء من تيار الماء.
- تبادل النفع: كأن يعيش كائنان معاً على أساس تبادل المنفعة دون أن يتضرر أحد منهما ومثال ذلك استقرار البكتريا العقدية التي تثبت الآزوت على شكل عقد آزوتية في جذور النباتات البقولية بحيث يستفيد النبات من الآزوت والنبات يمد البكتريا بالمواد الكربوهدراتية.
- التطفل: كأن يعيش كائن متطفل على كائن حي آخر بحيث يحصل على طعامه منه دون أن تعود أي فائدة على الكائن العائل، بل يسبب له الضرر ومثال ذلك الديدان التي تصيب الإنسان، وكذلك الفطريات المتطفلة مثل صدأ القمح، وفطرة الرأس التي تتطفل على الإنسان.
2- تعقد النظام البيئي:
يعد النظام البيئي نظاماً معقداً لما يحتويه من كائنات حية متنوعة وعلاقات متبادلة فيما بينها وبين الظروف البيئية.
3- إمكانية التنبؤ عن الأحداث البيئية:
تتجه النظم البيئية إلى الاستقرار، وكلما زاد النظام تعقيداً كلما اتجه نحو الاستقرار. ويمكن تعريف استقرار النظام البيئي بأنه قدرة هذا النظام على العودة نحو الاستقرار. ويمكن تعريف استقرار النظام البيئي بأنه قدرة هذا النظام على العودة إلى وضعه الأول بعد أي تغير يطرأ عليه دون حدوث تغير أساسي في تكوينه.
وعندما يقطع الإنسان الغابة فإنه يقضي على توازنها الطبيعي، فيتأثر هو والكائنات الحية الأخرى التي تعيش فيها، كما تنجرف التربة وتحدث السيول... إلخ.
4- استعمال الفضلات:
من خصائص النظام البيئي أنه يستخدم فضلاته، ومثال ذلك النظام البيئي البحري حيث تقوم الأسماك باخراج الفضلات العضوية بعد ذلك تقوم البكتريا بتحويلها إلى مركبات غير عضوية تستعمل في تغذية الطحالب التي تأكلها الأسماك، وهكذا تزول الفضلات من ماء البحر الذي يظل محتفظاً بصفائه.
ولكن إنتاج الإنسان لمواد غير قابلة للتحلل إلا فترات طويلة من الزمن أدى إلى تعطيل النظام البيئي وحدوث التلوث.
ثالثاً - اختلال التوازن البيئي:
في حال حدوث خلل في التوازن البيئي لبيئة ما، فإنه يحتاج إلى وقت حتى يعود لحالته الأولى. ويتوقفطول الوقت وقصره على مدى الضرر الذي لحق بالتوازن البيئي الأول. وقد لا يعود التوازن البيئي إلى حالته الأولى في حال كان الضرر كبيراً، وإنما يحدث توازن من نوع جديد يكون أقل تعقيداً وهشاً.
وينشأ الإخلال بالتوازن البيئي إما نتيجة ظروف طبيعية لا دخل للإنسان فيها، كارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها، أو نتيجة ظروف طبيعية لا دخل للإنسان فيها، كارتفاع درجات الحرارة أو انخفاضها، أو نتيجة انخفاض أو ارتفاع معدلات الأمطار أو نتيجة تغيرات تطرأ على الظروف الحيوية القائمة فيما بينها حيث تؤثر على بعضها بعض، أو نتيجة السلوك الخاطئ للإنسان.
وأهم العوامل التي تؤدي إلى فقدان التوازن البيئي ما يلي:
1- تغير الظروف الطبيعية:
لقد حدثت العديد من التغيرات الطبيعية خلال العصور الجيولوجية السابقة منها عصور ماطرة وأخرى جافة وعصور جليدية وأخرى حارة، وهذا ما أدى إلى خلل في التوازن البيئي، ولكن حدث توازن بيئي جديد بعد فترة من الزمن في ظل الظروف الجديدة التي سادت البيئة. وفي حال تعرضت بيئة ما للتصحر فهذا يؤثر في النبات، ومن ثم تحدث أضرار هائلة بالبيئة الحيوانية، وبالتالي يتأثر الإنسان، ومع مرور الزمن تعود البيئة إلى التوازن من جديد في إطار هذه الظروف الجديدة، وهذا ما يحدث بالنسبة للزلازل والبراكين والسيول وغيرها من الكوارث الطبيعية التي لا دخل للإنسان فيها.
2- إدخال كائنات حية من موطنها الأصلي إلى بيئة جديدة:
لقد لجأ الإنسان إلى نقل كائنات نباتية وحيوانية إلى بيئات جديدة، وهذا العمل قد يعرضها لخطر الانقراض في موطنها الأصلي، كما أن نقلها إلى بيئات جديدة آمنة من الأعداء مع ظروف بيئية مناسبة لنموها، فإن هذا يعرض البيئة الجديدة إلى اختلال توازنها. وهناك أمثلة كثيرة عن ذلك منها نقل الأرانب إلى استراليا حيث تكاثرت هذه بأعداد هائلة فهددت الغطاء النباتي العشبي الذي تتغذى عليه الأغنام، مما استدعى تدخل الإنسان لتقليل أعدادها، وقد تتكاثر الحيوانات في البيئة الجديدة إلى درجة لا تجد الغذاء اللازم لها، فتتعرض للهلاك جوعاً.
3- القضاء على بعض أحياء البيئة:
أحياناً يلجأ الإنسان نتيجة الجهل إلى قتل الكثير من الأحياء اعتقاداً منه أنها لا أهمية لها أو تعد مصدر إزعاج ومضايقة له أو غير ذلك، لقد أشار أحد علماء الطيور ((إذا انعدمت الطيور من البيئة، لأصبحت حياة الإنسان في هذه البيئة متعذرة بعد فترة قصيرة، قد لا تتجاوز عشر سنوات من اختفاء الطيور، لأنها تتغذى على أعداد هائلة من الحشرات الضارة التي تضر بالنباتات)).
ومنهنا فإن صيد البوم والصقور وغيرها خطأ فادح، وعلى سبيل المثال فإن طير السنون يأكل، نحو أربعة آلاف حشرة يومياً، كما أن العناكب في العالم تلتهم مليارات الحشرات يومياً.
4- تعديل الإنسان لشكل البيئة على شكل مباشر:
كثيراً ما يلجأ الإنسان إلى التعدي على البيئة بشكل مقصود وذلك عندما يتسأصل الغابات ويردم المستنقعات، ويحول مجاري الأنهار، ويجفف البحيرات وذلك لإنشاء مبان عمرانية، أو مزارع أو مشروعات صناعية أو غير ذلك. وهذا يؤدي إلى تغير شكل البيئة وإخلال توازنها باستمرار هذه التعديات.
ومن الأعمال الخطرة التي يقوم بها الإنسان ضد البيئة هي دفن النفايات الذرية تحت الأرض وفي قاع البحار والمحيطات لا بل يفكر في نقل النفايات النووية إلى الفضاء الخارجي، ويستخدم المواد الكيماوية الخطرة جداً على البيئة والتي لا تتحلل إلا بعد فترة زمنية طويلة. كل هذه العوامل تؤدي إلى الإخلال بالتوازن البيئي بشكل أو بآخر، وللبيئة قدرة على التحمل، وعندما يصل الخلل إلى مرحلة متقدمة يتم تعطيل النظام البيئي بأكمله؛ مما يهدد حياة الإنسان على هذا الكوكب.
وكيف لنا أن نتصور حياة الإنسان في حال تلوث مياه الأنهار والبحيرات والمياه الجوفية والينابيع وتصبح غير صالحة للشرب، وكذلك الأمر تلوث الهواء والطعام؟.
ويمكن القول: يجب على الإنسان أن يكون القوة الفاعلة للحفاظ على التوازن البيئي وهذا يستدعي إيقاظ الضمير البيئي عنده إلى أبعد الحدود، إضافة إلى تنمية العمل الجماعي بجميع الدول لوضع سياسة بيئية مشتركة تعمل على حماية البيئة بكل مكوناتها، وبذلك يمكن صيانة الموارد وحماية البيئة والأجيال القادمة من الهلاك.
إضافة تعليق